7 أكتوبر- من وهم النصر إلى واقع الفناء والتبعية.

المؤلف: محمد الساعد11.17.2025
7 أكتوبر- من وهم النصر إلى واقع الفناء والتبعية.

لم يكن في حسبان مدبري هجوم السابع من أكتوبر الماضي أنهم، وبعد مرور عام على تلك العملية التي بدت في مستهلها واعدة ومنتصرة بشكل لافت، سيؤول بهم المطاف بين قتيل ومُهجَّر، حال (حسن نصر الله – إسماعيل هنية – العاروري...) وغيرهم جم غفير يلوذون بالمخابئ والأنفاق اتقاءً لغارات إسرائيلية أو عمليات اغتيال تستهدفهم.

لقد كان العقل المدبر، القابع في مكتبه على أطراف الوطن العربي، يمني النفس بأن السابع من أكتوبر سيحقق له المجد والشهرة وسيجعله قائداً وزعيماً للعالمين العربي والإسلامي، وبأن الإسرائيليين وقادة الغرب سيقفون ذليلين عند قدميه، متوسلين إياه إطلاق سراح الأسرى والمحتجزين من الأطفال والنساء والشيوخ.

وعندما وضع خطط "غزوة السابع من أكتوبر"، استلهم فكرته من حرب تموز 2006 – كما هو شائع –، معتمداً على استفزاز الآلة العسكرية الإسرائيلية الجبارة، ثم إطلاق حملات إعلامية ضخمة في مختلف العواصم الغربية، ينتج عنها ضغوط عربية وغربية مُتزايدة، تستجيب إسرائيل على إثرها لوقف إطلاق النار، ليعلن بعدها "الحزب الإلهي" – كما يزعمون – انتصاره المزعوم، غير أن ما يتم رسمه وتخطيطه على الورق لا يمكن ضمان نتائجه على أرض الواقع، وهذا ما حدث بالفعل.

ولفهم أعمق للمشهد، يجب أن نتساءل عن الأسباب التي دفعت حزب الله في العام 2006 إلى تنفيذ عملية اقتحام للحدود الإسرائيلية، والاشتباك مع دوريتين من الجيش، وقتل واختطاف جنود إسرائيليين والاحتفاظ بجثثهم في عملية مباغتة ودون مقدمات أو اشتباكات سابقة.

في تلك الفترة، كان العالم في أوج غضبه واستيائه من حزب الله وإيران وسوريا، على خلفية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري قبل ذلك بعام (2005). كانت تلك العملية دموية ومتغطرسة، لدرجة أن الغضب العالمي استدعى تشكيل محكمة دولية بهدف محاسبة المتورطين، لكن الوساطات والتدخلات وبعض الإدارات الغربية قامت بتأجيل الأمر، ولا تزال تفعل ذلك حتى يومنا هذا.

كان حزب الله وداعموه يدركون تمام الإدراك أن الحساب العسير قادم لا محالة، ولذلك سعوا إلى إرباك المنطقة وتعطيل مسار الأحداث قبل وقوع العقاب الذي كان سيطالهم جميعاً. وبالفعل، أدت عملية حزب الله إلى إرباك المنطقة والعالم، واستدرجت إسرائيل لشن عملية عسكرية وحشية، وصلت إلى حد أن حسن نصر الله خرج على شاشة التلفزيون الرسمي التابع للحزب قائلاً: "لو كنت أعلم أن النتائج ستكون بهذا الشكل، لما أقدمت على الحرب".

انتهت المعارك بتدمير واسع النطاق للبنية التحتية اللبنانية، من المناطق الحدودية وصولاً إلى العاصمة بيروت، مع سقوط آلاف القتلى والجرحى وتشريد أعداد كبيرة من السكان، إلا أنها في المقابل طمست قضية ملاحقة قتلة الحريري، وأعادت المنطقة إلى ما قبل عملية الاغتيال. لقد حقق القتلة مكسباً كبيراً، تمثل في تمكينهم لاحقاً من السيطرة على القرار اللبناني والدولة بأكملها، بكل أدواتها التشريعية والمالية والأمنية، لصالح الحزب وداعميه حتى يومنا هذا.

عشية السابع من أكتوبر 2023، لاحظ الراعي الأساسي للحروب والفتن في المنطقة وجود مؤشرات قوية على ترتيبات إقليمية اقتصادية وسياسية كبرى، من شأنها أن تحدث تغييراً جذرياً في وجه المنطقة، وتحويلها من صراعات وحروب وكوارث إلى سلام وازدهار ورخاء. لذلك، قام بإعادة إنتاج عملية 2006 مرة أخرى، ولكن بمواصفات أكثر دموية وعنفاً، ولكنه أخطأ هو وعملاؤه في تحويلها من عملية عسكرية بحتة إلى مهاجمة أهداف مدنية، لتصبح أشبه بأحداث 11 سبتمبر جديدة، وهذه المرة عبر حماس وبدعم ومساندة من حزب الله والحوثيين.

لم يستوعب الجميع (الرعاة والعملاء) أن الأجواء الدولية والأمنية اليوم تختلف جذرياً عما كانت عليه في عام 2006، بل وحتى عن جميع الحروب التي دارت في غزة بين حماس وإسرائيل. لقد اتخذت تل أبيب – اليوم – ومن خلفها حلفاؤها الغربيون، وعلى رأسهم الجيش الأمريكي، قراراً حاسماً بإعادة جميع المتورطين في أحداث 7 أكتوبر إلى الوراء ثلاثين عاماً، وإعادة ترتيب المنطقة من جديد، وتحطيم وقتل وملاحقة كوادر وقيادات حزب الله وحماس والحوثيين، ووضع الراعي الرسمي في طهران أمام خيار واحد فقط، إما بيع ولاءاته للصين وروسيا والانضمام إلى النظام الإقليمي والدولي الجديد الذي يتم تصميمه ورسم خطوطه الآن برعاية أمريكية؛ أو الفناء والزوال كما فنيت حماس وحزب الله.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة